سورة الأعراف - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{وما تنقم منا} وما تطعن علينا ولا تكره منَّا {إلاَّ أن آمنا بآيات ربنا} ما أتى به موسى من العصا واليد {ربنا أفرغ علينا صبراً} اصبب علينا الصَّبر عند الصَّلب والقطع حتى لا نرجع كفَّاراً {وتوفنا مسلمين} على دين موسى، ثمَّ أغرى الملأ من قوم فرعون بموسى فقالوا: {أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض} ليدعوا النَّاس إلى مخالفتك وعبادة غيرك {ويذرك وآلهتك} وذلك أنَّ فرعون كان قد صنع لقومه أصناماً صغاراً، وأمرهم بعبادتها وقال: أنا ربُّكم وربُّ هذه الأصنام، فذلك قوله: {أنا ربُّكم الأعلى}، فقال فرعون: {سنقتل أَبْناءَهم} وكان قد ترك قتل أبناء بني إسرائيل، فلمَّا كان من أمر موسى ما كان أعاد عليهم القتل، فذلك قوله: {سنقتل أبناءهم ونَسْتَحْيِيَ نساءهم} للمهنة والخدمة {وإنا فوقهم قاهرون} وإنَّا على ذلك قادرون، فشكا بنو إسرائيل إلى موسى إعادة القتل على أبنائهم، فقال لهم موسى: {استعينوا بالله واصبروا} على ما يُفعل بكم {إنَّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده} أطمعهم موسى أن يعطيهم الله ملكهم ومالهم {والعاقبة للمتقين} أَيْ: الجنَّة لمن اتَّقى. وقيل: النَّصر والظَّفر.
{قالوا أوذينا} بالقتل الأوَّل {من قبل أن تأتينا} بالرِّسالة {ومن بعد ما جئتنا} بإعادة القتل علينا، والإِتعاب في العمل {قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم} فرعون وقومه {ويستخلفكم في الأرض} يُملِّككم ما كان يملك فرعون {فينظر كيف تعملون} فيرى ذلك لوقوع ذلك منكم.
{ولقد آخذنا آل فرعون بالسنين} بالجدوب لأهل البوادي {ونقص من الثمرات} لأهل القرى، وصرَّفنا الآيات: بيَّناها لهم من كلِّ نوعٍ {لعلهم يذكرون} كي يتَّعظوا.
{فإذا جاءتهم الحسنة} الخصب وسعة الرِّزق {قالوا لنا هذه} أَيْ: إنَّا مستحقُّوه على العادة التي جرت لنا من النِّعمة، ولم يعلموا أنَّه من الله فيشكروا عليه {وإن تصبهم سيئة} قحط وجدب {يطيروا} يتشاءموا {بموسى} وقومه، وقالوا: إنَّما أصابنا هذا الشرُّ بشؤمهم {ألا إنَّما طائرهم عند الله} شؤمهم جاءهم بكفرهم بالله {ولكن أكثرهم لا يعلمون} أنَّ الذي أصابهم من الله.
{وقالوا} لموسى: {مهما تأتنا به} أَيْ: متى ما تأتنا به {من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين} فدعا عليهم موسى، فأرسل الله عليهم السَّماء بالماء حتى امتلأت بيوت القِبْطِ ماءً، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل من الماء قطرة.


{فأرسلنا عليهم الطوفان} ودام ذلك سبعة أيَّام، فقالوا: {يا موسى ادعُ لنا ربك} يكشف عنا فنؤمن لك، فدعا ربَّه فكشف، فلم يؤمنوا فبعث الله عليهم الجراد، فأكلت عامَّة زروعهم وثمارهم، فوعدوه أن يؤمنوا إن كشف عنهم، فكشف فلم يؤمنوا، فبعث الله عليهم القمَّل، وهو الدّباء الصِّغار البق التي لا أجنحة لها، فتتبَّعَ ما بقي من حروثهم وأشجارهم، فصرخوا فكشف عنهم، فلم يؤمنوا، فعادوا بكفرهم، فأرسل الله عليهم الضَّفادع تدخل في طعامهم وشرابهم، فعاهدوا موسى أن يؤمنوا، فكشف عنهم فعادوا لكفرهم، فأرسل الله عليهم الدَّم، فسال النِّيل عليهم دماً، وصارت مياههم كلُّها دماً، فذلك قوله: {آيات مفصلات} مبيَّنات {فاستكبروا} عن عبادة الله.
{ولما وقع عليهم الرجز} أَيْ: العذاب، وهو ما كانوا فيه من الجراد وما ذكر بعده {قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك} بما أوصاك به وتقدَّم إليك أن تدعوه به {لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننَّ لك ولنرسلنَّ معك بني إسرائيل} وقوله: {إلى أجل هم بالغوه} يعني: إلى الأجل الذي غَرَّقهم فيه {إذا هم ينكثون} ينقضون العهد ولا يوفون.
{فانتقمنا منهم} سلبنا نعمتهم بالعذاب {فأغرقناهم في اليم} في البحر {بأنهم كذبوا بآياتنا} جزاء تكذيبهم {وكانوا عنها غافلين} غير معتبرين بها.
{وأورثنا القوم} ملَّكناهم {الذين كانوا يستضعفون} بقتل أبنائهم واستخدام نسائهم {مشارق الأرض ومغاربها} جهات شرق أرض الشَّام، وجهات غربها، {التي باركنا فيها} بإخراج الزُّروع والثِّمار، والأنهار والعيون {وتمت كلمة ربك الحسنى} مواعيده التي لا خلف فيها بما كانوا يحبُّون، وذلك جزاء صبرهم على صنيع فرعون {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه} أهلكنا ما عمل فرعون وقومه في أرض مصر {وما كانوا يعرشون} وما بنوا المنازل والبيوت.
{وجاوزنا ببني إسرائيل البحر} عبرنا بهم البحر {فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم} يعبدونها مقيمين عليها {قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً} من دون الله {كما لهم آلهة قال إنكم قومٌ تجهلون} نعمة الله عليكم وما صنع بكم، حيث توهَّمتم أنَّه يجوز عبادة غيره.
{إنَّ هؤلاء} يعني: الذين عكفوا على أصنامهم {متبَّرٌ ما هم فيه} مهلَكٌ ومدَمَّرٌ {وباطل ما كانوا يعملون} يعني: إنَّ عملهم للشَّيطان، ليس لله فيه نصيبٌ.
{قال أغير الله أبغيكم} أطلب لكم {إلهاً} معبوداً {وهو فضلكم على العالمين} على عالمي زمانكم بما أعطاكم من الكرامات.


{وواعدنا موسى ثلاثين ليلة} يترقَّب انقضاءها للمناجاة، وهي ذو القعدة. أمره الله تعالى أن يصوم فيها، فلمَّا انسلخ الشَّهر استاك لمناجاة ربِّه يريد إزالة الخلوف، فأُمر بصيام عشرةٍ من ذي الحجَّة؛ ليكلِّمه بخُلوفِ فيه، فذلك قوله: {وأتممناها بعشر فتمَّ ميقات ربِّه} أَيْ: الوقت الذي قدَّره الله لصوم موسى {أربعين ليلة} فلمَّا أراد الانطلاق إلى الجبل استخلف أخاه هارون على قومه، وهو معنى قوله: {وقال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي وأصلح} أَيْ: وارفق بهم {ولا تتبع سبيل المفسدين} لا تطع مَنْ عصى الله، ولا توافقه على أمره.
{ولما جاء موسى لميقاتنا} أَيْ: في الوقت الذي وقَّتنا له {وكلمه ربُّه} فلمَّا سمع كلام الله {قال ربِّ أرني} نفسك {أنظر إليك} والمعنى: إنَّي قد سمعتُ كلامك فأنا أحبُّ أن أراك {قال لن تراني} في الدُّنيا {ولكن} اجعل بيني وبينك ما هو أقوى منك، وهو الجبل {فإن استقر مكانه} أَيْ: سكن وثبت {فسوف تراني} وإن لم يستقرَّ مكانه فإنَّك لا تطيق رؤيتي، كما أنَّ الجبل لا يطيق رؤيتي {فلما تجلى ربه} أَيْ: ظهر وبان {جعله دكاً} أَيْ: مدقوقاً مع الأرض كِسَراً تراباً {وخرَّ} وسقط {موسى صعقاً} مغشياً عليه {فلما أفاق قال سبحانك} تنزيهاً لك من السُّوء {تبتُ إليك} من مسألتي الرُّؤية في الدُّنيا {وأنا أول المؤمنين} أوَّل قومي إيماناً.
{قال يا موسى إني اصطفيتك} اتَّخذتك صفوةً {على الناس برسالاتي} أَيْ: بوحيي إليك {وبكلامي} كلَّمتك من غير واسطة {فخذ ما آتيتك} من الشَّرف والفضيلة {وكن من الشاكرين} لأنعمي في الدنيا والآخرة.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13